"حين يصبح الألم أسلوب حياة" اضطراب الفيبروميالجيا 

بين غموض وتشخيص

الفيبروميالجيا (Fibromyalgia) أو الألم العضلي الليفي اضطرابا مزمنا معقدا يصيب ملايين الأفراد عالميا وتتميز بانتشار الألم في مناطق متعددة من الجسم بالإضافة إلى التعب المزمن واضطرابات النوم والخلل المعرفي ومجموعة من الأعراض الجهازية الأخرى ولكن رغم شيوع المتلازمة إلا أنها لا تزال تكتنفها الكثير من الغموض ويرتبط فهمها وتشخيصها بعدد من التحديات السريرية نتيجة غياب مؤشرات بيولوجية محددة ووضوح في الآلية المرضية هذا الواقع يؤدي غالبا إلى تأخر التشخيص أو سوء الفهم من قبل مقدمي الرعاية الصحية مما يزيد من معاناة المرضى ويؤثر سلبا على جودة حياتهم اليومية.

 نسبة الانتشار العالمية

تصيب هذه المتلازمة ما بين 0.2% و6.6% من سكان العالم وتعد أكثر شيوعا لدى النساء فوق سن الخمسين حيث…

• ذكر أن نسبة انتشار الفيبروميالجيا بين السكان تتراوح ما بين 2% إلى 8% حسب المنطقة ومعايير التشخيص و شدد على أن النساء أكثر تأثرا من الرجال وأن التشخيص قد يكون ناقصا لدى بعض الفئات.

المصدر العلمي :
Clauw DJ. JAMA. 2014;311(15):1547-1555.
Fibromyalgia: A Clinical Review | Rheumatology | JAMA | JAMA

Network

• تظهر الدراسات أن ما يصل إلى 90% من الحالات المشخصة هي من النساء ومع ذلك يعتقد أن الرجال قد يكونون غير مشخصين بشكل كاف.

 المرجع:
Clauw DJ. Fibromyalgia: A clinical review. JAMA. 2014;311(15):1547-1555.
Fibromyalgia: a clinical review - PubMed

ولكن ما هي الفيبروميالجيا

تعرف بأنها متلازمة ألم مزمن ومنتشر حيث يعاني المصابون بها من ألم مستمر في جميع أنحاء الجسم وغالبا ما يوصف بأنه حارق أو نابض أو شبيه بالألم العضلي العميق ما يميز هذا الألم أنه لا ينتج عن التهاب أو تلف مباشر في الأنسجة بل يعتقد أن السبب الأساسي يكمن في خلل في طريقة معالجة الجهاز العصبي المركزي لإشارات الألم او بعبارة أخرى تصبح أدمغة المصابين أكثر حساسية للمنبهات الحسية حتى تلك التي لا تسبب الألم عادة لدى الأشخاص الأصحاء وهو ما يعرف بـ"فرط التحسس للألم" (Central Sensitization) ولكن الفيبروميالجيا لا تتسبب في تلف أنسجة العضلات أو المفاصل بل أنها تؤثر بشكل كبير على جودة حياة المريض ووظائفه اليومية.

الأعراض الشائعة للفيبروميالجيا

لا تقتصر أعراضها على الألم فقط بل تشمل مجموعة واسعة من المشكلات الجسدية والعصبية والنفسية التي تؤثر سلبا على جودة حياة المصابين حيث….

 الألم المنتشر (واسع النطاق) يعد العرض الأكثر شيوعا وتميزا و غالبا ما يوصف بأنه ألم خفيف مستمر يدوم لأكثر من ثلاثة أشهر ينتشر على جانبي الجسم (الأيمن والأيسر) وأعلى وأسفل الخصر يوصف بأنه ألم حارق، ضاغط، أو نابض

. الإرهاق الشديد يشعر المرضى بتعب مزمن لا يزول حتى بعد الراحة أو النوم لفترات طويلة و يستيقظ كثير منهم وهم مرهقون وغير منتعشين ما يؤثر على القدرة على أداء المهام اليومية.

اضطرابات النوم حيث صعوبة في النوم أو الاستمرار فيه بالإضافة إلى اضطرابات مصاحبة مثل متلازمة تململ الساقين ، انقطاع النفس النومي.

"الضباب الليفي" (الصعوبات الإدراكية) يعرف أيضًا بـ"ضباب الدماغ" ويشمل صعوبة التركيز،ضعف الذاكرة قصيرة المدى ، تشتت الانتباه وبطء في التفكير والمعالجة الذهنية.

فرط الحساسية للمحفزات حيث يعاني العديد من المرضى من استجابة مفرطة تجاه اللمس الخفيف ، الأصوات العالية والأضواء الساطعة. حالات مرضية مصاحبة ترتبط غالبا باضطرابات ومشكلات صحية أخرى منها متلازمة القولون العصبي (IBS)، متلازمة التعب المزمن، الصداع النصفي ، التهاب المثانة الخلالي أو متلازمة المثانة المؤلمة واضطراب المفصل الفكي الصدغي (TMJ) و متلازمة تسارع نبض القلب الوضعي (POTS).

أسباب الفيبروميالجيا

هي من الحالات المزمنة المعقدة التي لا تزال أسبابها الدقيقة غير مفهومة بالكامل وعلى الرغم من أن السبب المباشر غير معروف فإن الخبراء يرجحون أنها تنتج عن تفاعل عدة عوامل مثل…

 العوامل الوراثية تشير الأبحاث إلى أن الجينات الموروثة من الوالدين قد تلعب دورا في زيادة خطر الإصابة ويعتقد أن طفرات جينية معينة تؤثر على تكوين الناقلات العصبية في الدماغ والتي تنقل إشارات الألم بين الدماغ والجسم.

خلل في معالجة إشارات الألم يرجح الباحثون أن هذا يعود إلى خلل في كيفية استقبال الدماغ للإشارات العصبية حيث يتم تضخيم إشارات الألم العادية في الجهاز العصبي المركزي مما يؤدي إلى إحساس بالألم أكثر شدة حتى مع منبهات غير مؤلمة.

الخلل الكيميائي العصبي ترتبط الفيبروميالجيا باضطراب في توازن الناقلات الكيميائية في الدماغ مثل السيروتونين (تنظيم المزاج والنوم) ، الدوبامين (التحفيز والمتعة) والنورابينفرين (الاستجابة للتوتر والألم).

الصدمة الجسدية أو النفسية قد تظهر بعد إصابة جسدية قوية (مثل حادث سيارة أو إصابة في الرقبة أو الظهر) ، عدوى شديدة وضغوط نفسية حادة.

اضطرابات النوم النوم غير المريح أو المتقطع يضعف قدرة الجسم على التعافي، ويزيد من حساسية الجهاز العصبي للألم.

حالات العدوى ثمة أمراض قد تؤدي إلى الإصابة بالالتهاب الليفي العضلي أو إلى تفاقم أعراضه.

عوامل الخطر للإصابة الفيبروميالجيا

 وعلى الرغم من أن السبب المباشر لهذه الحالة لا يزال غير معروف فقد حددت الأبحاث مجموعة من عوامل الخطر التي ترتبط بزيادة احتمالية الإصابة وهي:

العوامل الوراثية دورا أساسيا حيث وجد أن الأشخاص الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى مصابون بـ الفيبروميالجيا يكونون أكثر عرضة للإصابة حيث النساء معرضات بشكل أكبر من الرجال ويرتبط ذلك على الأرجح بعوامل هرمونية وبيولوجية كما أن منتصف العمر (30–50 عاما) يمثل الفئة العمرية الأكثر شيوعا للتشخيص.

الاضطرابات النفسية (مثل الاكتئاب، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة) والضغوط النفسية المستمرة دورا مهما في تهيئة الجسم للإصابة بـ الفيبروميالجيا خاصة عند ترافقها مع اضطرابات النوم أو الإجهاد الجسدي أو العاطفي إلى جانب ذلك وجد ارتباط بين الفيبروميالجيا والإصابة السابقة بـ عدوى فيروسية أو بكتيرية شديدة أو المعاناة من أمراض مزمنة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، متلازمة القولون العصبي أو متلازمة التعب المزمن حيث تظهر هذه العوامل أن الفيبروميالجيا ليست نتيجة سبب واحد بل تتطلب تقييما شاملا للتاريخ الطبي، والنفسي و الوراثي للفرد لتحديد مستوى الخطورة.

كيفية تشخيص الفيبروميالجيا

 لغياب فحوصات مخبرية أو تصويرية محددة فإن التشخيص يعتمد أساسا على التقييم السريري واستبعاد الأمراض الأخرى حيث وفقا للمعايير التشخيصية الحديثة الصادرة عن الكلية الأمريكية لأمراض الروماتيزم (ACR) لعام 2010 وتم تعديلها في 2016  يعتمد التشخيص على ثلاثة محاور رئيسية:

• وجود ألم واسع النطاق في أربع من خمس مناطق رئيسية من الجسم يستمر لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.

• ارتفاع مقياس شدة الأعراض الذي يشمل التعب، اضطرابات النوم، والصعوبات المعرفية.

• غياب أمراض أخرى تفسر الأعراض، ويتم التأكد من ذلك عبر فحوصات مخبرية مثل: تعداد الدم الكامل (CBC) ،اختبارات الغدة الدرقية (TSH)،
  معدل ترسيب كرات الدم الحمراء (ESR)، فحوص أمراض المناعة الذاتية (ANA, RF) وتحليل فيتامين D وB12.

المرجع العلمي :

olfe, F., Clauw, D. J., Fitzcharles, M. A., Goldenberg, D. L., Häuser, W., Katz, R. S., Mease, P., Russell, A. S., Russell, I. J., & Walitt, B. (2016).

2016 Revisions to the 2010/2011 fibromyalgia diagnostic criteria.

Seminars in Arthritis and Rheumatism, 46(3), 319–329.

2016 Revisions to the 2010/2011 fibromyalgia diagnostic criteria -ScienceDirect

طرق علاج الفيبروميالجيا

لا يوجد علاج شاف لها حتى الآن لكن تستخدم مجموعة من الخيارات العلاجية للسيطرة على الأعراض وتحسين نوعية الحياة ويعد اتباع نهج علاجي متعدد التخصصات هو الأنسب وفقا للإرشادات الحديثة حيث : 

 العلاج الدوائي تشمل الأدوية المعتمدة على مثبطات امتصاص السيروتونين والنورإبينفرين مثل Duloxetine و Milnacipran وهي فعالة في تخفيف الألم وتحسين المزاج .

الأدوية المضادة للتشنجات العصبية مثل Pregabalin و Gabapentin التي تُستخدم لتقليل فرط استثارة الأعصاب.

مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل Amitriptyline تساعد في تحسين النوم. العلاجات غير الدوائية التمارين الرياضية الخفيفة المنتظمة (مثل المشي والسباحة) تعد من أفضل الوسائل لتحسين الأعراض.

العلاج السلوكي المعرفي يساعد المرضى على إدارة الألم والقلق المرتبطين بالمرض.

كما أثبتت تقنيات الاسترخاء (مثل اليوغا والتاي تشي) والعلاج الفيزيائي فعاليتها في تقليل التوتر والتيبس العضلي.

الدعم النفسي والاجتماعي الدعم الأسري والمشاركة في مجموعات الدعم والمتابعة النفسية المتخصصة تعد عناصر مساعدة ضرورية للتأقلم النفسي والاجتماعي مع المرض.

العلاج المائي كخيار علاجي

في السنوات الأخيرة برز العلاج المائي كوسيلة فعالة وامنة لتحسين أعراض الفيبروميالجيا يحث يوفر الماء بيئة منخفضة التأثير تساعد على تقليل الضغط على المفاصل والعضلات وتسهل أداء الحركات التي قد تكون مؤلمة على الأرض كما تساهم درجة حرارة الماء الدافئة في إرخاء العضلات وتحفيز الدورة الدموية وقد أظهرت دراسة سريرية أجريت على مرضى الفيبروميالجيا أن التمارين المائية ساعدت بشكل ملحوظ في تقليل الألم وتحسين اللياقة البدنية وجودة النوم.

ففي تجربة عشوائية محكمة وجد Assis وآخرون (2006) أن الجري في الماء العميق أدى إلى تحسينات سريرية مهمة وساهم في تخفيف الأعراض الجسدية وتحسين الأداء الوظيفي مما يدل على فعالية هذا النوع من العلاج كجزء من برنامج علاجي شامل

المصدر العلمي:

 A randomized controlled trial of deep water running: clinical effectiveness of aquatic exercise to treat fibromyalgia A randomized controlled trial of deep water running: Clinical effectiveness of aquatic exercise to treat fibromyalgia - Assis - 2006 - Arthritis Care & Research - Wiley Online Library.

النظام الغذائي مرضى الفيبروميالجيا

• اتباع نظام غذائي مضاد للالتهاب حمية البحر المتوسط (Mediterranean diet) الغنية بالخضار، الفواكه، الحبوب الكاملة، زيت الزيتون، والأسماك حيث تقلل من التعب، الألم، والالتهابات المزمنة.

المصدر:
Mediterranean diet and its low-antigenic and anti-inflammatory properties on fibromyalgia: a systematic review - PubMed

• الاعتماد على نظام غذائي نباتي أو نباتي صرف (Vegan/Vegetarian) حيث يقلل من مستوى بروتين C التفاعلي (CRP) ومؤشرات الالتهاب و يحسن الوزن والكوليسترول والأعراض العامة.

المصدر:Journal of Clinical Gastroenterology

• زيادة مضادات الأكسدة (Antioxidants) مثل: CoQ10، فيتامين A وC وD، الكركم، الزنجبيل، الشاي الأخضر حيث يخفف من الإجهاد التأكسدي المرتبط بالألم.

• اتباع حمية خالية من الجلوتين (Gluten-Free Diet) مفيدة خاصة لمن لديهم حساسية جلوتين غير سيليكية (NCGS)و تحسن الألم، الإرهاق، وعدد النقاط المؤلمة.

• الحد من الكربوهيدرات قصيرة السلسلة (Low-FODMAP) يحسن الأعراض الهضمية والألم في حالات القولون العصبي المصاحبة.

المصدر:Fibromyalgia Diet: What to Eat for Better Management

• المكملات الغذائية الهامة المغنيسيوم: يحسن الألم وقوة العضلات و Coenzyme Q10 يقلل الألم والإجهاد و فيتامين D مرتبط بتحسن الألم خاصة لدى من يعانون من نقصه.

نمط الحياة مرضى الفيبروميالجيا

•   التمارين الهوائية منخفضة الشدة (مثل المشي، السباحة) تقلل الألم، التوتر، وتحسن نوعية النوم.

 المصدر:Frontiers | On the superiority of a combination of aerobic and resistance exercise for fibromyalgia syndrome: A network meta-analysis

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT) يساعد في تعديل التفكير السلبي وتحسين التكيف مع الألم.

المصدر : In brief: Cognitive behavioral therapy (CBT) - InformedHealth.org - NCBI Bookshelf

• تحسين جودة النوم حيث النوم المتقطع يفاقم الأعراض لذالك تحسين النوم يقلل من الألم والإرهاق.

• فقدان الوزن في حالات السمنة تقليل مؤشر كتلة الجسم (BMI) يقلل من مستوى الالتهاب حساسية الألم.

المصدر: Effect of weight reduction on the quality of life in obese patients with fibromyalgia syndrome: a randomized controlled trial - PubMed

• الوخز بالإبر (Acupuncture) يحفز إفراز المواد المسكنة الطبيعية ويخفف الألم المزمن.

المصدر:Acupuncture therapy for fibromyalgia: a systematic review and meta-analysis of randomized controlled trials - PubMed

• العلاج بالليزر منخفض المستوى (LLLT) يحسن الألم، التعب، الاكتئاب، وعدد النقاط المؤلمة.

المصدر:Low-Level Laser Therapy for Fibromyalgia: A Systematic Review and Meta-Analysis - PubMed

تأثير أنواع مختلفة من التمارين على البالغين المصابين الفيبروميالجيا

•  التمارين الهوائية (Aerobic Exercise) تحسن جودة الحياة المرتبطة بالصحة  وتقلل من مؤشرات الألم والتصلب والتعب إلا أن آثارها على التعب محدودة الجودة و تعمل بشكل أفضل عند ممارستها مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيا لمدة 30–60 دقيقة بشدة منخفضة إلى متوسطة (50–80% من الحد الأقصى لمعدل ضربات القلب) حيث تعد خيارا آمنا ومقبولا.

•  

المصدر: Aerobic exercise for adults with fibromyalgia | Cochrane   و Fibromyalgia - Wikipedia

•  تمارين المقاومة (Resistance Training) تقلل الألم، عدد النقاط المؤلمة، وتحسن الأداء البدني، مع تأثير متوسط على الحالة النفسية .
  مثلا 16–21 أسبوع من المقاومة المتكيفة أدت إلى تحسن كبير في FIQ، القوة البدنية، والألم مقارنة بالتحكم و شدة التدريب المعتدلة (40–85% من 1RM) فعالة وتعزز القدرة الوظيفية.

•  تمارين الإطالة (Stretching) تقلل من الألم وتحسن جودة الحياة، لكنها لم تظهر تأثيرا ملموسا على الاكتئاب وعند مقارنتها بمجموعات المقاومة أو الهوائية فإن فائدتها أقل في تقليل الألم وتحسين الأداء الجسدي.

تمثل الفيبروميالجيا أكثر من مجرد اضطراب في الجهاز العضلي الهيكلي إنها انعكاس معقد لاختلالات عصبية وبيوكيميائية عميقة تؤثر على الطريقة التي يعالج بها الدماغ الألم والإجهاد. ورغم عدم وجود مؤشرات حيوية محددة أو علاج شاف حتى الآن فإن التقدم في فهم الفيزيولوجيا العصبية لهذا الاضطراب قد مهد الطريق لنهج علاجي متعدد الأبعاد يركز على التوعية، والدعم النفسي، والتأهيل الجسدي والتدخل الدوائي الموجه.